ترنيمة الحب - علياء الأنصاري
إنّه الموت
مركبٌ من ضباب يقود صاحبه إلى حيث الحقيقة
سمفونية أزلية تتجددّ أنغامها في كل حين
مفردة قاسية في قاموس الحياة , وجميلة أيضاً
قاسية لأنها الحد الفاصل ما بين الحضر والسفر , ما بين اللقاء والفراق,
ما بين عالم الشهادة وعالم الغيب
ويكمن جمال هذه المفردة في حيويتها
فهي محطة العبور إلى العالم الآخر,
حيث الأشياء على حقيقتها والمعاني تظهر ببواطنها,
وكل شيء يبرز بوضوح وصدقٍ ,
وهناك تتجسد حقيقة الإنسان وحقيقة الحياة .
لذلك لا بدّ من هذه المفردة, فهي ضرورية ضرورة الهواء والماء,
وشفافة كتنفس رئتي الصباح المطهرتين بقطرات الندى
نعم إنه الموت للمرة الثالثة يلتقي بها
ويخطف منها ذلك الأمل الجميل الذي داعب قلبها لسنين ستّ من عمرها الزوجي
ها هو طفلها الثالث يموت هو الآخر بعد ولادته بعدة ساعات, كفنٌ صغيرٌ آخر , لفّ في طياته حبها وآمالها وانتظارها , ومشاق تسعة أشهر مرهقة.
كم هي الليالي التي جلست تداعب فيها القمر والنجوم, وترسم في صفحة السماء أياماً غيبية جميلة عن مستقبلها الأمومي وحلمها الوردي الذي وظفت كل طاقاتها الروحية والبدنية لأجل تحقيقه ...
وكم هي الساعات التي جلست فيها إلى زوجها , تحدثه عن ذلك الكائن الصغير الذي بدأ يتحرك في احشائها ويدغدغ مشاعرها ويجعلها تحب الحياة أكثر فأكثر ...
عندما فقدت طفلها الأول بعد ساعات من ولادته , أصابها الفزع وبقيت عدة أشهر فاقدة صوابها لا تلوي على شيء ...
ثم عاد الأمل إليها من جديد , فهي ما زالت صغيرة وما زال العمر أمامها...
وعندما مات طفلها الثاني أيضاً بعد ولادته بساعات , أحست بأن هناك قدراً قاسياً ينتظرها, ولكنها تحملت بالصبر بعض الشيء وتظاهرت , بالشجاعة.
واليوم تقف للمرة الثالثة في عزاء ولدها, ولكنه عزاء بلا مُعزين سواها, وسرير صغيرها الخالي ...
تبدأ الرواية مع موت الطفل الثالث لهيفاء , وعجز هيفاء عن الإنجاب مرة أخرى وشوق زوجها (كامل) إلى أن يكون أباً . هيفاء لن تستطيع أن تهبه هذه الهدية لذلك تُصر والدته عليه بالزواج من أخرى , وكان كامل يرفض فكرة الزواج ويقول أن مجرد وجود هيفاء في حياته يغنيه عن الأولاد ويجعله سعيداً.
ذات يوم سمعت هيفاء حديث كامل ووالدته وعرفت أن وجودها في حياته سيمنعه من تحقيق حلمه بالأبوة , فإتخذت قرارها بتركه لعلّه يجد السعادة مع امرأة أخرى... إختارت سعادته على حساب نفسها ...
قالت له : " سوف أتركك لوحدك حتى تفكر بهدوء, أنا لا أقوى على ان أراك مع امرأة أخرى, فإذا كانت رغبة الأطفال مستحكمة فيك, فتوكل على الله واذهب إلى حالك , فأنا لا أستطيع العيش معك بعد الآن".
قالت له هذا الكلام وتركت بيته وعادت إلى بيت أمها , وباءت محاولات كامل في إعادة هيفاء بالفشل , فقد رفضت أن تراه وأصرّت على الطلاق.
تزوج كامل بعد طلاقه من هيفاء بامرأة تدعى جنان ورزق منها بولد وبنت...
مرّت 15 سنة , ودارت الأيام ومرضت سرور إبنه كامل وأدخلت إلى المستشفى هناك إلتقى كامل بهيفاء التي أصبحت طبيبة وتقررّ أن تقوم هي بعملية ابنته .
يولد الإنسان من الألم
الآلام التي تعانيها الأم عند الوضع وصرخات المخاض المختزنة كل معاني الألم وكل معاني الأمل ...
اللحظات العصيبة التي تقضيها الأم في ساعات ولادة حياة جديدة لموجود جديد قد يكون خيراً للبشرية وقد يكون شراً لها
والساعات المرهقة التي تلي الولادة وما يختزن فيها من أمل ولهفة ... كل هذا له دور في صناعة الإنسان...
فحيثما وجد الألم , وجد الإنسان. وحيثما وجد المخاض كانت هناك ولادة
وهكذا كانت الخمسة عشرة عاماً بالنسبة لهيفاء , ساعات طلق ومخاض ... ومن بين آلامها وأحزانها ولدت هيفاء أخرى ...
فقد علمتها سنيّ الغربة والوحدة أن تكون كالسنبلة , تنثني عند هبوب الريح ولكنها لا تنكسر ...
وعلمّها حب كامل الذي إختزنته في قلبها خمسة عشر عاماً معجوناً بالألم والشوق أن تبتسم رغم نزيف الجرح ...
وعلمها مبضع الجراح في غرفة العمليات أن الإنسان أضعف المخلوقات وأسهلها موتاً فاستهانت بالحياة...
نجحت العملية وعادت الفتاة إلى بيتها , وقررت والدتها السيدة جنان دعوة الدكتورة هيفاء إلى بيتها وهي لا تعرف أي شيء عن ماضيها وعن كونها زوجة كامل الأولى. أحبت حنان هيفاء كثيراً وأرادت أن تكون هيفاء مقربة من عائلتها وكانت هيفاء ترفض ذلك حتى لا تكون سبباً في تدمير عائلة كامل, فهي التي تركته لكي ينعم بحياة عائلية مستقرة , هل تعود الان بعد 15 سنة لكي تخرب حياته ؟
ولكن بعد طلب كامل منها أن تكون قريبة من عائلته لكي تكون السند المعنوي لهم ووعده لها بأن يعاملها كأخت وابنة خالة فقط , قبلت بالأمر.
مرّة أخرى مرضت سرور ولكن هذه المرة كان مرضها خطيراً وتقرر إجراء عملية زراعة كلية جديدة لها , ونُشرت إعلانات في الصحف تطلب شراء كلية ولم يتقدم أحد لبيع كليته إلا طفل صغيرٌ فقير إسمه حيدر أراد بيع كليته لكي يعيل أمه وأخواته الثلاثة وكان عمره صغيراً.
طلبت الدكتورة هيفاء من حيدر أن يعرفها على عائلته وعندما زارت هيفاء بيت حيدر تغيرت رُؤيتها لكثير من الأمور.
بعد خروجها من بيت حيدر , سارت هيفاء في الطرقات على غير هدى, كانت تستعيد حياتها الماضية, طفولتها تحت ظلال أسرتها الدافئة, حبها لكامل وزواجها منه وتلك السنين الجميلة التي قضتها معه, أمومتها الموؤدة , طلاقها , وفاة والدتها, رحيلها إلى الخارج , سنوات الدراسة والغربة, عودتها ولقاءها بكامل مرة اخرى , العمر كلّه يسير معها في الطريق على غير هدى ...
وتسائلت في نفسها :" ثم ماذا؟ إلى أين أنا سائرة؟ كيف ستكون النهاية؟ حب كامل سغف حياتي كلها, ورغم كل الصعاب ما زال حياً ينبض بالحياة, وها أنا الآن أترجم حبه إلى إهتمام وحب لطفلته وأسرته وأقضي معهم ما تبقى من العمر, ثم ماذا ؟
آه يا كامل لقد أتعبني حبك كثيراً , وأتعبتني الحياة أيضاً, فماذا أنتظر فيما تبقّ لي؟
أليس الأجدر بي أن أملأ قلبي بحب الأخرين أيضاً؟
هل يعجز قلبي عن حمل هموم الناس وأشجانهم؟
قلبي الذي حمل حبّ كامل كل هذه السنين ولم يتعب, أتراه يعجز عن حب الآخرين ؟ أتراه يعجز عن العطاء؟
من لهؤلاء الصغار يحمل همهم وحبهم ويخطط لمستقبلهم؟
من لهؤلاء التعساء يحمل عنهم أعباء الحياة؟
كثيرون كثيرون من أمثال حيدر, فأين أنا منهم ؟
يا ترى كيف يمكن لهذه الكرة الأرضية الصغيرة أن تضمنا معاً؟
نحن المترفين الغارقين في مباهج الحياة وأولئك المتعبين حدّ النخاع والعظم؟
أسئلة كثيرة رافقت هيفاء في سيرها ذلك اليوم , ذلك السير الذي لم يجعل هيفاء تشعر بغروب الشمس إلا بعد ساعات.
بعد ذلك قررت هيفاء إقامة مشروع عمل للنساء الفقيرات , يعملن فيه ليستثمرن وقتهن وطاقتهن وويؤمن معيشتهن دونما مدّ يد الحاجة إلى الأخرين .
في هذا الوقت وصل حامد وهو طبيب مصري إلى العراق وكان زميلاً لهيفاء في الجامعة وطلب الزواج بها لكنها رفضت وأبلغته بأنه مطلقة لأنها لا تنجب الأطفال فقال أن هذا الأمر لا يهمه وأنه يحبها لذاتها ويريدها زوجة له . رفضت وقالت له بلحن فيه الكثير من الرقة الممزوجة بالآلم : " هذا هو قدري وقد رضيت به, فيما مضى كنت أجترّ أحزاني مع هذا الرضا وأحاول الحياة منتظرة لحظة الموت لأنهي بذلك دراما حزينة كنت بطلتها, أما الآن فإني وجدت في هذا القدر حكمة عظيمة, لقد كان القدر إعداداً روحياً ليتكامل قلبي ويمسي بيتاً يؤوي المحرومين والمعدمين, فقد عزمت على أن أفرشه لكل من يحتاج إليه , إلى من يحتاج إلى عاطفتي أو مالي أو وجودي...
لقد برمجت أيامي القادمة على أن أوظف حياتي لخدمة الآخرين, الكثير ينتظرني ولا وقت لدي للتفكير في هذه الأمور, لا أريد أن أكون ملكاً خاصاً لأحد, أريد أن أحيا كما أريد, أريد أن أعيش للناس لا لنفسي" ...
وعندما لامتها أختها على رفضها لحامد أصرّت على موقفها قائلة :
وعندما لامتها أختها على رفضها لحامد أصرّت على موقفها قائلة :
هل كل النساء اللواتي كتبت عليهنّ الظروف عدم الزواج هنّ تعيسات؟
هل الزواج مقياس السعادة والفلاح؟
هل الإنجاب والأولاد مقياس الفضيلة والنجاح؟
إستعادت هيفاء هذا الحديث لمرات عديدة وهي تسير في طريقها ذلك الصباح, كان يؤلمها هذا المنطق الذي يحكم العقول والأعراف . عليها أن تفعل شيئاً لتثبت للجميع بأنها سعيدة, وأن السعادة شيء آخر لا يمكن أن يدرك معناه إلا من أتاه الله قلباً سليماً.
وصلت إلى مقصدها,دلفت إلى الداخل وقصدت غرفة الإدارة.
وبعد أسبوع كانت هيفاء تمسك بيد طفلة صغيرة تبلع الخامسة من عمرها وتخرج بها من دار الأيتام ليسيرا معاً إلى البيت بخطوات ثابتة وجريئة.
السلام عليكم :)
ردحذفأخت رانيا.. لم أجد مكانا آخر للتواصل معك بعدما تخلصت من الفايسبوك..
عندما قرأت ما كتبت سابقا عن الأديبة علياء الأنصاري, تذكرت كاتبتي المفضلة السيدة خولة القزويني.. فقرأت للسيدة علياء روايتين : عينا أم موسى و تذكرة سفر.. و حقا أود أن أشكرك أنت لأني تعرفت على كتاباتها بسببك !.. و أنصحك بقراءة رواية عندما يفكر الرجل لخولة القزويني ^_^
....
مريم رمّال
اهلين مريم كيف حالك
حذفمبارح قريت رواية تذكرة سفر
كتير حلوة ومؤثرة
الحلو بعلياء الانصاري انها بتكتب روايات الها دلالات قيمية
ما بتكتب لاجل الكتاب
فيه عندها هدف بدها توصله
ما قريت لخولة القزويني بعد
بس اروح عالمكتبة بشوف اذا هيدا الكتاب موجود :)
و ما بكيتي من بعد ما قرأتيها ؟! :(
حذفتحياتي أخت رانيا ! ^_^
مريم
رائعة :'(
ردحذف