الإقتصاد السياسي للنزاعات الداخلية - بيت دوما






يرتبط مفهوم "إقتصاد الحرب" بالنزاعات ذات الطابع المحلي التي تُنتج إقتصادات ظِل إضافة إلى عولمة نشاطات إقتصادية غير قانونية من خلال الإرتباطات التي تقوم بين أمراء الحرب المحليين ووسطاء إقتصاديين وشركات أمنية خاصة في دول غربية.
والتعريف الأولي للإقتصادات السياسية المرتبطة بالنزاعات هو أنها: "الطريقة التي يجري فيها توليد موارد إقتصادية وإستغلالها على أيدي أطراف وفعاليات (داخلية وخارجية) منخرطة في ما يُسمّى "نزاعات داخلية", تتموضع داخل بلدان معينة من اجل الحفاظ على وجودها ذاته وتوطيد مصالحها السياسية والإقتصادية".
يتجاوز إقتصاد الحرب الحكومات الوطنية والقانون الدولي. خلال النزاعات تقوم الأطراف المتحاربة بإستغلال الموارد الطبيعية وتدمير النظام الضرائبي الداخلي وإضعاف قدرة الدولة في الرقابة على القطاع المالي. ويجري تهجير السكان المدنيين الذين يعيشون في مناطق غنية بالموارد من قبل الميليشيات المسلحة ونكون هنا أمام حالة تطهير بشري إنتقائي. لا يمكن إطلق صفة الحرب الأهلية على هذه النزاعات لأن الأهالي لا يشاركون فيها إلا بنسبة ضئيلة , بل إن الأطراف المتحاربة تستهدف المدنيين بشكل رئيسي. 
إن الأطراف المتحاربة تتقاتل من أجل السيطرة على الموارد وفي الوقت نفسه تحاول السيطرة على اللاجئين في معسكرات اللجوء. إن وجود موارد ثمينة في مناطق النزاع يسهل قيام إقتصادات الحرب. والاطراف المتحاربة يهمّها إستمرار حالة الحرب ولا تريد صنع السلام فهي تستخدم العنف لتحقيق غايات إقتصادية. إن البحث عن الموارد المالية لتمويل الحرب يؤدي إلى تصعيد القتال من أجل السيطرة على مناطق إستراتيجية ويترافق هذا مع القيام بعمليات تطهير بشري لسكان هذه المناطق.
تلعب الحرب دوراً في مراكمة الاصول الإقتصادية لدى الاطراف المتحاربة , فبسبب إنهيار النظام والقانون يصبح بالإمكان تحت قوة السلاح فرض الأتاوات وإستغلال العمال والسيطرة على التجارة ومصادرة الأراضي والنهب وسرقة المساعدات الدولية.
يقول paul collier : إن البلدان التي لديها نسبة عالية من صادرات السلع الأولية ونسبة عالية من الشباب بمستوى تعليمي متدنّي , تكون مكشوفة للنزاعات بدرجة كبيرة. إن الإنقسامات الإثنية والدينية والإدعاءات بوجود مظالم تاريخية لا تُفسر إشتعال النزاعات بل هي تمويه للأجندات الإقتصادية لمقاولي العنف.
خلال الحرب يصبح البشر إكثر إنتهازية وتزداد الجريمة وتسيطر قلة من الفاعلين على الأسواق وتحتكرها, وتتفاقم ضراوة الصراع من أجل الريع. ويستفيد من هذه الحالة أصحاب السلطة ورجال الأعمال والتجار والمتمردين والمجرمين في آن واحد.
لكل حرب داخلية تشعبات خارجية لا يمكن إهمالها.
إن التفاعل بين البعد المحلي والدولي في الصفقات الخاصة بالموارد سمة بارزة من سمات الإقتصاد السياسي للنزاعات الداخلية.  ومن دون تبادل بين هذين البعدين ستنحسر الحروب الداخلية سريعاً. لذلك تنشأ علاقة بين الأطراف المتحاربة وجهات خارجية تقوم بشراء  الموارد من الجماعات المتقاتلة التي تستخدم المردودات المالية لإدامة الحرب. وبين البعد المحلي والبعد الدولي هناك مكان لوسطاء وشبكات يعملون من أجل إطالة أمد النزاعات الداخلية لأن ذلك يؤمن مصالحهم . 
حينما تقدم الدول الغنية المساعدات الإنسانية للدول المنكوبة بنزاعات داخلية , فإنها تستمر بالإستفادة من هذه الدول من خلال الحصول على المواد الأولية الرخيصة التي تقوم الاطراف المتحاربة ببيعها بأقل من سعرها من أجل الإستمرار في القتال.


لمنّ يهّمه الأمر , الدراسة موجودة على الرابط التالي
الإقتصاد السياسي للنزاعات الداخلية

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قصائد برتولد بريخت السياسية

صباح الخير يا جنوب !

ها قد أقبل علينا شهر الرحمة رمضان .