إدارة الأزمات الدولية ونموذج إدارة أزمة رهائن السفارة الأميركية في طهران




تحديد مفهوم الأزمة الدولية

الأزمة الدولية هي وصف لحالة تتميز بالتوتر الشديد والوصول إلى مرحلة حرجة تنذر بالإنفجار في العلاقات الطبيعية بين الدول. وقبل الوصول الى مرحلة الصدام المسلح تمتلك الدولة " أدوات وتقنيات إدارة الأزمات " التي تساعد في الحؤول دون إنفجار الموقف.
في إطار إدارة الأزمات قد يتم أحيانا اللجوء الى الإستخدام المحدود للقوات المسلحة , كما في حالة لجوء السوفييت إلى إستخدام الدبابات في التعامل مع أزمة المجر عام 1956 وفي الأزمة التشيكية عام 1968 , وكان هدف السوفييت حينها إفهام الدولتين وباقي دول حلف وارسو بأنه من غير المسموح ظهور تيارات ليبرالية قوية داخل كتلة حلف وارسو.

تعريفات مختلفة للأزمة الدولية

يحصر هنري كيسنجر مفهوم الأزمة في مجرد كونها عرضاً symptom  لوصول مشكلة ما إلى المرحلة السابقة مباشرة على الإنفجار مما يقتضي ضرورة المبادرة بحلهّا قبل أن تتفاقم عواقبها.

أما الكاتب السياسي أوران يونج فيعرف الأزمة بأنها : " تداعٍ سريع للأحداث يؤدي إلى تنشيط عناصر عدم الإستقرار في النظام الدولي , أو في نسقه الفرعية على نحوٍ غير مألوف يزيد من إحتمالات اللجوء للعنف ".

ويعرف وليم كوانت الأزمة بأنها : " مزاج من المفاجاة والخطر وعدم اليقين ".

تعريف إدارة الأزمات
تعرف إدارة الأزمات على أنها " العمل على تجنُب تحول الصراع إلى صراع شامل بتكلفة مقبولة , لا تتضمن التضحية بمصلحة أو قيمة جوهرية ".
إدارة الأزمة تطلق إذن على محاولة وقف حدوث تحول جذري إلى الأسوأ في المسار الطبيعي للعلاقات.

إن الإجراءات الهادفة إلى إحتواء توتر في علاقة ما, يتمّ بإتخاذ سلسلة من القرارات , تعرف بقرارات الأزمة.

ويمكن تعريف قرار الأزمة بأنه " قرار عادي يتمّ صنعه في ظروف إستثنائية تؤثر سلباً على ما ينبغي أن يتوافر لصنعه في الظروف العادية من بيانات كافية وتحليل هادئ وصياغة بدائل متأنية ومفاضلة متروية بين هذه البدائل لإختيار البديل الأفضل من بينها ,, وهكذا يكون هدف إدارة الأزمات هو تحييد السلبيات التي تؤثر على سلامة عملية صنع قرار الأزمة في الأوقات الإستثنائية أو أثناء الازمات.

الإدارة بالأزمات

وهو أسلوب يلجأ إليه طرف في علاقة ما , إذا ما اعتقد أن له مصلحة في تغيير الوضع الراهن لهذه العلاقة, اما لشعوره بالغبن في ظل هذا الوضع أو لاعتقاده بأن الظروف الراهنة تمثل المناخ الملائم بالنسبة له , لتعزيز وضعه داخل إطار هذه العلاقة.

تعريف إدارة الأزمات الدولية

يعرف الكاتب السياسي برنارد وليامز إدارة الأزمات بأنها: " سلسلة الإجراءات (القرارات) الهادفة الى السيطرة على الأزمة والحدّ من تفاقمها حتى لا ينفلت زمامها, مؤدية بذلك إلى نشوب حرب ... وبذلك تكون الأدارة الرشيدة اللازمة هي تلك التي تضمن الحفاظ على المصالح الحيوية للدولة وحمايتها. إن الادارة الناجحة للازمة هي تلك القدرة البارعة على تحقيق التوازن الدقيق ما بين ممارسة الضغوط على الخصم بحرصٍ ذكي أو ترضية بثمن بخسٍ أو بإستخدام هاتين الوسيلتين معاً".

****

أزمة رهائن السفارة الأميركية في طهران

خلفيات الأزمة ومناخها
إثر التمرد الشعبي الواسع في إيران, أيقن الشاه بأن الأمور أفلتت من يده فقرر طلب اللجوء إلى الولايات المتحدة الاميركية وتقدم الشاه بطلبه الرسمي باللجوء  في شباط 1979, في البداية كان القرار الاميركي برفض طلب الشاه , ولكن في تشرين الاول 1979 طرأت تطورات جديدة على الموقف, حيث تقدم الشاه بطلب جديد الى الولايات المتحدة الاميركية بسبب إصابته بمرض سرطان الطحال,وهكذا صدرت موافقة الرئيس كارتر على طلب الشاه.
بعد قبول طلب شاه إيران باللجوء إلى الولايات المتحدة الاميركية , حصل أن شاهد الطلبة من حرس الثورة الاسلامية مهدي بازرجان رئيس الوزراء ووزير خارجيته يتبادلان الحديث مع زبجنيو بريجينسكي أثناء تشييع الرئيس الجزائري هواري بومدين, فساورتهم الشكوك بخصوص هذين المسؤولين, فتشاور الطلبة عندها مع أية الله قويني واتفقوا على مهاجمة السفارة الأميركية حتى تتضح المواقف ,فيعرفوا الموالين للحكومة الخارجة عن خط الثورة الاسلامية والموالين للثورة الإسلامية.
مداولات الإدارة الاميركية حول الأزمة
بعد انقطاع الاتصالات بين واشنطن وسفارتها في طهران قررّ مجلس الامن القومي ارسال وفد مكون من شخصين هما راس كلارك وويليام ميللر الى طهران , ولكن طهران رفضت استقبالهما, فأصدر كارتر قراراً بأن يبقى الرجلان في بلد قريب من إيران مثل تركيا , حتى يتمكنا بسرعة من التوجه الى ايران في حال غيرّ الخميني رأيه.
مطالب إيران
1-   تسليم الشاه لإيران لمحاكمته عن جرائمه السابقة
2-   مصادرة أرصدة الشاه في الولايات المتحدة الاميركية
3-   اعتذار اميركا علانية عن الاخطاء التي ارتكبتها في حق ايران في الماضي.

الرد الأميركي
في 17 تشرين الثاني أعلنت الولايات المتحدة فرض مقاطعة كاملة على إستيراد البترول الإيراني, فردت أيران على ذلك بطلب سحب ودائعها من البنوك الأميركية, وقابل كارتر هذا الطلب بتجميد بلايين الدولارات الأيرانية في البنوك الاميركية.

التطرق لجوهر الأزمة

يوم 18 تشرين الثاني وردت انباء تفيد بأن الخميني قررّ إطلاق سراح بعض الرهائن, الا انه سيحاكم الباقين أمام محاكم إسلامية بتهمة التجسس, وفي 20 تشرين الثاني أجتمع مجلس الامن القومي الاميركي وناقش الإجتماع كيفية الرد الأميركي على قرار الخميني وفي نهاية الاجتماع تكلم نائب الرئيس الاميركي والتر مونديل وقال بأن المناقشات التي دارت حول رد الفعل الاميركي على الاجراء الايراني لم تتطرق الى جوهر الأزمة وهو وجود الشاه على اراضي اميركا, واقترح حث الشاه على مغادرة الاراضي الاميركية في اسرع وقت ممكن حينما تسمح له حالته الصحية بذلك, وهكذا بدأت الإدارة الأميركية تبحث للشاه عن بلد بديل ليستقبله وبعد رفض الكثير من الدول قبلت بنما هذا استقبال الشاه.

الإتصالات السرية
بيد ان رحيل الشاه الى بنما لم يحل ازمة الرهائن بل انها ازدادت تعقيدا بعد ان نددت ايران بالموقف البنامي وهددت بالقيام بأعمال انتقامية ضد بنما.
عندها قمت بنما بتشجيع الطرفين الطرفين على اجراء اتصالات سرية بغية حلّ الزمة , وهكذا جرت اتصالات بين الاميركيين ومندوبيين عن الطرف الايراني هما كريستيان بورجيه وهو محام فرنسي وأيكتور فيلالون وهو رجل اعمال أرجنتيني وكانت الحكومة الايرانية قد دأبت على الاستعانة بهما في بعض المفاوضات السرية التي كانت تجريها.
في هذه الاتصالات نقل المندوب بورجيه اقتراحا ايرانيا بطلب تشكيل لجنة محايدة من الأمم المتحدة للتحقيق في الشكاوى الايرانية ضد اميركا وعلى اميركا ان تعارض ذلك علانية ولكن على الرغم من معارضة اميركا الا ان اللجنة تتشكل بما يمثل انتصارا سياسيا لايران على اميركا . وبعد ذلك تتوجه اللجنة الى ايران وتحقق في هذه الشكاوى ثم تصدر قرارها بكون احتجاز الرهائن منافٍ للشريعة الاسلامية, فيضطر الخميني الى اطلاق سراحهم مؤكدا بذلك على سماحة الدين الاسلامي, وبعد عودة اللجنة الى نيويورك تصدر قرارها بالنسبة للشكاوى الايرانية.
الا ان التطورات الايجابية في الاتصالات السرية سرعان ما توقفت عندما وردت انباء من ايران تفيد أن الامام الخميني يريد موقف الطلبة وأنه يرفض الافراج عن الرهائن الا بعد أن يتم تسليم الشاه . واعلنت ايران رسميا عن تأجيل موعد استقبالها للجنة التحقيق الدولية التابعة للامم المتحدة . وزاد ذلك من شدة سخونة الازمة فاضطر الرئس كارتر الى ان يرسل انذارا الى اي الحسن بني صدر يوم 28 اذار 1980 يحذره فيه بأنه ما لم يتم إطلاق سراح الرهائن قبل أول نيسان فسوف يترتب على ذلك نتائج خطيرة . وفي 3 نيسان أعلن بني صدر أن اميركا لم تنفذ الشروط اللازمة لإطلاق سراح الرهائن وأنه ينفض يده من الموضوع كله ,الذي اصبح منذ ذلك الحين بيد الخميني نفسه.
رداً على ذلك أصدر كارتر في 7 نيسان قراراه بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران وفرض مقاطعة اقتصادية شاملة عليها , باستثناء الاغذية والادوية وطلب من حلفاء اميركا مساندته في هذا القرار.
خطة انقاذ الرهائن
بعد تأزم الوضع , قرر مجلس الامن القومي الاميركي القيام بعملية سرية لانقاذ الرهائن وقرروا القيام بعملية عسكرية لذلك, ولكن المعلية فشلت بعد تحطم عدد من الطائرات التي كانت متجهة لانقاذ الرهائن في الصحراء الايرانية.

ملاحظات على الادارة الاميركية لأزمة الرهائن

1-   كانت أزمة الرهائن الأمريكيين نتيجة طبيعية لفشل ادارة كارتر في اتخاذ موقف حاسم من الثورة الاسلامية حين قيامها , لم تفكر اميركا سوى في تحقيق مصالحها ولم تهتم بالحساسيات المتراكمة في نفوس الايرانيين من مواقفها السابقة الداعمة للشاه الذي يكرهه شعبه.
2-   كانت المشكلة الاولى التي واجهت الادارة الاميركية بعد انقطاع اتصالها مع سفارتها في طهران هي مشكلة الاتصال بحيث لم يستطع الاميركيون الاتصال بمركز صنع القرار السياسي في طهران وهو الامام الخميني.
3-   ان العلانية التي عولجت بها مشكلة الرهائن ومن ثم تعرضها الى ضغوط الرأي العام كانت من أهم اسباب فشل حكومة كارتر في توفير المناخ الملائم لادارة هذه الازمة.
4-   يؤخذ على ادارة هذه الازمة تجاوزها لقيد الوقت الامثل لادارة الازمات حيث استغرقت ادارتها 14 شهراً , وهذا ما يوحي بضعف قدرة صانع القرار على اتخاذ القرار الملائم لانهائها وفقدانه للدبلوماسية المطلوبة لمعالجة الموقف بالسرعة اللازمة.
5-   فقدت اميركا هيبتها في العالم كله , كما أحجم اصدقائها عن مدّ يد العون لها في محنتها هذه.




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صباح الخير يا جنوب !

قصائد برتولد بريخت السياسية

ترنيمة الحب - علياء الأنصاري