علي وعائشة , سمفونية الجب على أرض السواد
علي وعائشة , سمفونية الجب على أرض السواد
تدور أحداث الرواية حول عائلتين إحداهما شيعية والأخرى سنية كانتا تعيشان بأمن وسلام في إحدى مدن العراق . إلى أن اتى الإرهاب ليغتال أبي علي , الجار الشيعي لأبي خديجة السني وشريكه في العمل منذ عشرين سنة . بعد إغتيال أبي علي على باب بيته من قبل التكفيريين , تترك أسرته المدينة وتتوجه إلى الحلة , حيث تسكن العائلة عند الخالة ... قبل العميلة الإرهابية التي أودت بحياة أبي علي , كان هناك علاقة حب تجمع بين عائشة إبنة أبي خديجة وبين علي . تأثر علي بمقتل والده ولكنه بقي على حبه لعائشة ... تتوالى الأيام وإذ يصل الخبر لعلي بأن أبي خديجة ( والد حبيبته عائشة) تم إغتياله على باب مطبعته ... وقبل إغتياله بيومين كان أبو خديجة قد أوصى بوصيته بأن لعلي نصف الحصة في المطبعة...
يد الإرهاب التي قتلت والد علي ووالد عائشة تمتد أخيراً لتقتل مهنداً الولد الوحيد لأمه , وفي الإنفجار نفسه الذي قتل فيه مهند أصيب علي وبترت ساقاه ...
مقتطفات من الرواية
عندما إلتقى علي وعائشة أول مرة بعد مقتل والده
نظر إليها فوجد حبه نائماً بين أهدابها كطفل صغير, فسبقت دموعه كلماته وهو يقول: أتعلمين ماذا أريد أن أفعل الأن , أن أخذك إلى أقرب محكمة وأتزوجك ثم أطوف بك شوارع بغداد شارعاً شارعاً , ومحلة محلة, وزقاقاً زقاقاً بل بيتاً بيتاً, وأنادي أنا علي وهذه زوجتى عائشة سأعقد عليها عند الشيخ في الكاظمية بالقرب من مولاي موسى بن جعفر الكاظم, لأقيم مأدبة عرسها عند سيدي عبد القادر الكيلاني, وسأولم لأهل الكاظمية والعامرية والشعلة وحي الجهاد وكل بيوتات بغداد, فهل من معترض؟
سأنجب منها أطفالاً سأسمعيهم حيدر وعمر وحذيفة وحفصة وآمنة وزهراء وزينب فهل من معترض؟ سأكتب في هوياتهم أمام اللقب: عراقي, وأمام الديانة مسلم , وأمام العلامات الفارقة سأكتب : حبهم للوطن.
نظر إليها بعرفان وأخذ على نفسه عهداً بأن يسعى إلى إرضائها وإشعارها بحبه لها وإن كان قد أودع وادي السلام قلبه حتى يلتحق به الجسد ذات يوم.
يوم تشييع مهند إلى وادي السلام
كما يغفو الرضيع في حضن أمه , غفا الشباب في حضن الوطن... ولكن إغفاءة الأبد.
تخضب الحلم بالدم المسفوح على الأرصفة بينما كانت الشمس تلملم جدائلها لتودع عشاقها, على أمل اللقاء بهم بعد سويعات الليل المحتضنة ألف حلم وحلم سيبددّ مع دعوة الشمس, وهي ترخي بجدائلها لينسج منها العشاق أملاً آخر بمجيء يوم آخر لا بد أنه سيكون أفضل.
مشى الموكب الجنائزي يشق طريقه إلى حيث وادي السلام لتودع أم رضيعها الذي طالما حلمت وهي تهزّ مهده وتغني " دللو يمه دللو" بيوم يكبر فيه وتكبر معه ثمرة العمر لعل " دللو يمه دللو" تمسي ذكرى تداعب الخيال المتعب كلما رأته يختال بمشيته بين أقرانه, ها هو حلمها صار مثل رمس فاغراً فاه ينتظر كل شاب بقسوة لا تعادلها إلا قسوة قلوب حجرية يحملها بشر فقدوا كل إحساس بالحب والعطاء...
فلم تكن تتصور أنها ستحن يوماً إلى هزة المهد وتتمنى لو أن عجلة الزمن توقفت عند " دللو يمه دللو" وبقي صغيرها صغيراً لا يرنو إلى شيء سوى أن يبقى صغيراً " دللو يمه دللو".
ليت يد المنون طالتها وهي تهز المهد لتبقى " دللو يمه دللو" أخر صوت يسمعه صغيرها وأخر حلم يمكن أن يراوده...
وعندما إبتلع الرمس الفاغر فاه ما تبقى من أشلاء كانت لإنسان, رمت الام بنفسها إلى تلك الحفرة لعلها تبتلع جسدها المتعب مع قلبها الذي يحاولون دفنه هنا ويغيب عنها , وفي لحظة فزع هبّ الجميع للإمساك بها فصرخت بأعلى صوتها ممزقة صمت الزمن ولا مبالاته : بأي جرم وجريرة يترك ولدي فرشة عرسه التي نسجت خيوطها بدموع العمر, وطرزتها بشوك القهر , وإحتفظت بها بخزانة الأمل ليوم يفرشها هو وعروسه على قارعة درب الحب, وينسجا من دفئها ثوباً للحياة , بأي جرم وجريرة يترك ولدي فرشة عرسه لينام في التراب , وإن نام هو في التراب فأين سأنام أنا ؟
وعندما رأت الام المنكوبة أن التراب غطى جسد الحبيب , إنهالت عليه وأفسحت المجال لقلبها ليتسللّ من بين أضلاعها ويخترق التراب ليلتحف به ولدها فيمنحه الدفء في ذلك العالم المجهول كما منحه الدفء في هذا العالم القاسي, وعندما شعرت بأن قلبها قد قام بالمهمة على أحسن وجه أغمضت عينيها وأخذت تردد بهمس : "دللو يمه دللو عدوك عليل وساكن الجول دللو يمه دللو يا الولد يا بني دللو ".
خاتمة الرواية
جلست عائشة قبالة علي وقلبها يحدثها بما سيقوله علي , لذلك إتخذت عدتها وهيأت نفسها, فحالما قال علي : إسمعي يا عائشة.
أكملت عبارته قائلة : لا تقل لي بأن ما بيننا قد إنتهى.
نظر إليها بعيون إمتزج الدمع فيها بالأمل المذبوح: عائشة , لا داعي لأن أخبرك ماذا تعنين بالنسبة لي, ولكني لن أسمح لنفسي بأن أحكم عليك بالعيش مدى الحياة مع رجل مقعد لا حول له ولا قوة .
عائشة مستنكرة قوله : تمهل , لست بالرجل المقعد, ما الفرق بين ان تمشي على رجلين أو أن تمشي مستعيناً بأرجل إصطناعية أو كرسي متحرك, هل أحببتك لأنك تمشي على رجلين إثنين ؟ ما زلت قادراً على العمل والعطاء , المطبعة تنتظرك, دراستك تنتظرك.
علي بيأس: طبيب على كرسي متحرك.
عائشة بإصرار : نعم , لم لا ؟ المهم الأن هو ان تحصل على الشهادة وليس بالضرورة أن تمارس الطب, لدينا مطبعة تكفينا للعيش أفضل عيشة.
علي : لا تحاولي إقناعي لقد إتخذت قراري.
عائشة وقد إستبدّ بها الغضب: ماذا تعني إتخذت قراري؟! وأنا؟ هذا الموضوع يخصّني كما يخصّك وأنا يجب أن أقرر أيضاً.
نظر إليها مندهشاً للغضب الذي إستبدّ بها , هذه هي المرة الأولى التي يرى فيها عائشة غاضبة.
أردفت عائشة والغضب يسيطر على شوارعها : إسمع قراري أنا, أنا لن أتخلى عنك , لقد خسرت أبي كما خسرت أنت أباك, وخسرنا جميعاً مهنداً , وخسرنا الكثير من أصدقائنا وأهلنا وأبناء وطننا, إنهم يريدون أن يقتلوا كل شيء ينبض بالحب والخير على أرضنا, هل نسمح لهم بذلك ؟ لن أخسرك أنت أيضاً يا علي , لن أدع الإرهاب يفرق بيني وبينك كما فعل بأبي وأبيك, لن أسمح لأحد أن يقضي على الحلم الذي عشنا العمر كله لأجل تحقيقه.
علي: كوني واقعية, هل انت قادرة على العيش مع رجل كسيح يتنقل على كرسي متحرك, مع رجل ناقص.
ألمتها العبارة الأخيرة فإنتفضت قائلة : لست رجلاً ناقصاً, لا أحب أن أسمه هذا منك .
قالتها وغادرت الغرفة غاضبة وحالما توسطت الصالة أجالت ببصرها في المكان وخاطبت الجميع قائلة: إسمعوا جميعاً المتعارف عليه أن يخطب الفتى الفتاة من أهلها ولكني سأخالف القاعدة , ربما أسوة بسيدتي خديجة رضوان الله عليها, وإن كنا أنا وعلي لسنا بحاجة إلى خطبة لأن الجميع يعرف ما بيننا وأعتقد أنه اكبر وأصدق من أي خطبة في العالم.
ثم توجهت إلى أم علي وإقتربت منها قائلة : خالتي , إبنك يقول بإنه لم يعد يريدني لأنه يشفق عليّ من الحياة مع رجل مقعد, وأنا أرفض كلامه هذا.
ثم توجهت إلى أمها: إسمحي لي يا أمي أن أعلن هنا وأمامكم جميعاً بأني إذا لم أتزوج علياً فلن أتزوج أبداً, بل سأعتبر ذلك نصراً للإرهاب علينا جميعاً, فقد حرمنا الإرهاب من أبي ومن عمي أبي علي ومن مهند ومن مئات الشباب, ولن أسمح له بأن يحرمني من حبي.
خرج علي من الغرفة فتوجهت أنظارهم إليه فقالت أم خديجة : وأنا لن أرضى بغير علي زوجاً لك يا عائشة.
عائشة مخاطبة علياً : سوف أنتظرك حتى تكمل دراستك هذا العام, وأنا معك في أي قرار تتخذه, إذا أحببت أن أتي إلى هنا لنعيش في الحلة أو تعود أنت إلى بغداد لنعيش هناك .
اطرق علي فقال خاله حسن : على بركة الله , غاية سرورنا أن تجتمعا معاً يا علي, ما أحوجنا إلى فرحة وسط عالم الأحزان الذي نعيشه.
وفي تلك الليلة همست أم مهنّد في أذن أختها : الفتاة جيدة وصادقة في حبهاّ ولكن...
أم علي: ولكن ماذا يا سليمة ؟
أم مهند : إسمها ...
أم علي : ما به إسمها ؟
أم مهند وهي تلوي شفتيها : يعني إسم عائشة غير متعارف لدينا ...
أم علي مستنكرة : وما علاقة الإسم بالموضوع, لا أفهمك, إذا إستغرب الناس الإسم الأن فسيعتادون عليه في المستقبل.
أم علي منهية الحديث : سيعتاد الناس عليه, هذا الأمر غير مهم , علينا أن نغير الكثير من أفكارنا وأمورنا التي إعتدنا عليها, علينا ان نعيد النظر في كثير مما ورثناه عن أبائنا وأجدادنا , سيكون زواج علي وعائشة نصراً على كل الشر والعنف على هذه الأرض, ذلك الشرّ الذي أخذ منا زيداً وأبا خديجة ومهنداً ومئات آخرين لا ذنب لهم ولا جريرة.
وفي تلك الليلة التي زفّت فيها عائشة إلى علي وعلا إلى خليل, كان القمر يتوسط السماء لينير الأرض بضيائه الفضي كما يضيء الحب نفوسنا لينيرها خيراً وفضيلة.
رائع ومعبر وما اكثرها من قصص حقيقية مر بها العراق
ردحذف