وتكلّمت الحياة - علياء الأنصاري





(وتكلّمت الحياة) أحدث رواية للكاتبة العراقية علياء الأنصاري , وصلتني كهديّة من كاتبتها ... 
الرواية صغيرة في حجمها , كبيرة في مُحتواها وتحمل رسائل بليغة, ولا يُمكن لأي إنسان أن يقرأها دون أن تغرق عيناه في بحر من الدموع ...

تبدأ الرواية مع "جميلة" بعد خروج روحها من الجسد , حينها فقط تشعُر بحياتها وبما مرّ بها ... وتبدأ تساؤلاتها حول حياتها الماضية وحول زوجها وأولادها , ثم تنتبه إلى أن الوقت قد فات وأن الماضي لم يعد مُهماً , إنما المهم الآن هو الآتي , وهو الحقيقة المطلقة ... الحقيقة التي لا بُد لكل إنسان أن يصل لها وهي الموت ...

على "فراش القبر" تستعيد جميلة ذكرياتها , منذ أن كانت تعيش مع أمها وأخوتها بعد وفاة والدها , كانت العائلة فقيرة , وللتخلص من الفقر قامت الأم بتزويج ابنتها إلى رعد المحامي المشهور والغني , رفضت جميلة هذا الزواج إلا أن والدتها أصرتّ , فما كان منها إلا أن ترضخ شأنها شأن غالبية الفتيات الشرقيات اللواتي يُجبرن على الزواج بمن لا يُرِدنَ فقط من أجل "مصلحة العائلة".

بعد زواجها أصبحت جميلة "كالنعجة المُدجّنة" , كلّ ما تفعله كان من أجل زوجها , زوجها الذي أراد منها متابعة تعليمها الجامعي حتى تليق به أمام المجتمع ! وهو الذي منعها من تحقيق حُلُمها بالأمومة مدة 8 سنوات , وهو الذي كان يُقررّ عنها ما الذي يجب أن تفعله وما الذي يجب أن لا تفعله , وهي كباقي النساء الشرقيات اللواتي تربيّن على السمع والطاعة بدون إعتراض , عاشت حياتها على هذا المنوال دون أن تفكر يوماً بما تُريد هي, وليس ما يريد زوجها وأبنائها .

بقية الرواية , هي على شكل إعترافات شخصية لزوج جميلة وأختها , وإبنتها وخادمتها وابن عمتها , زوجها يتحسر على جمالها ورحيلها بسرعة , فهي كانت مرضت وخلال فترة قصيرة توفيت , وكان يشعر من ناحية ثانية بالراحة لكون جميلة لن تعرف بزواجه الثاني الذي كان مُقرراً في نفس الأسبوع الذي ماتت فيه جميلة , أما شقيقتها فكانت تشعر بالذنب لأنها كانت تحسد أختها وكانت تتمنى لو أنها باحت لجميلة بمكنونات قلبها قبل أن تفارق الحياة .

أما ابن خالها مصطفى, فقد كان في صغره يُحبها , ولكنه عندما أتى لخطبتها من أمها, رفضته الأم وطردته لأنه كان فقيراً , ومنذ ذلك الحين , ترك بلده وغاب زمناً طويلاً , وخلال هذه المدة لم تعرف جميلة أبداً أنه كان يًحبها , خلال "إعترافه" بمشاعره أمام نعش جميلة , كان يلوم نفسه على رضوخه لرفض والدة جميلة , كان يلوم نفسه على عدم مقاومته , وعلى عدم ثورته على الواقع الذي فرضته أم جميلة عليه . في هذا المقطع من الرواية "نلمح إشارات سياسية بقوة " فالكاتبة علياء الانصاري لمن يُتابع أعمالها الأدبية يرى في كتاباتها دعوة للثورة على الظلم , والثورة على التقاليد البالية , والثورة على كل الحكام الطُغاة .

ويأتي دور خادمة جميلة في الإعتراف , وهي إذ تثشيد بمزايا سيدتها "الطيبة" ورقتها وانسانيتها , تتمنى لو انها استطاعت أن تبوح لجميلة بسرٍّ خطير , ألا وهو أن "هناء" ليست ابنة جميلة الحقيقية , ذلك أن ابنة جميلة الحقيقية ماتت خلال الولادة , وأن رعد استبدل الطفلة الميتة بطفلة أخرى كانت قد ولدت منذ أيام من إحدى عشيقاته !!!

نصل الأن إلى مشهد دفن جميلة , فنراها تُناجي الله , وتطلب منه الرحمة ويُغلق القبرُ على جميلة وترى ابنتها تبكي وتتشبث بالقبر , يتفرقُ الجمع , كلُ يذهب إلى عالمه , ويبقى مصطفى قرب القبر, يبكي ويُرتل القرأن فوق قبرها , تقول جميلة : "أشكرك يا مصطفى , أنت الوحيد الذي قدمت لي شيئاً ينفعني في عالمي هذا" ...
بعد مرور أربعين يوماً على وفاة جميلة , أتى الاهل لزيارة قبرها ووجدوا فوقه تلة من التمر, تسائلوا من فعل هذا ؟ فأجابهم حفّار القبور: "أعتقد أنه ذلك الرجل الذي ما برح يزور القبر كل يوم , ربما جاء في الصباح الباكر وفعل هذا".

ثم قام رعد بركل تلة التمر فتناثرت حباته على الأرض ...

في اليوم التالي , مات مُصطفى ... 

الرواية هي دعوة للتمرد على التقاليد البالية وعلى ضعف النفوس وخنوعها , كما أنها دعوة للتأمل بالحياة والموت , والتذكر بأنه سيأتي يومٌ تنتهي فيه حياتنا , ونرحل من هذا العالم إلى عالم آخر يجب أن نكون جهزّنا له من الآن ...
وذكّر لعلّ الذكرى تنفع ...




تعليقات

  1. شوقتيني رانيا ..
    موجودة الرواية بالاسواق اللبنانية ام بعد ؟

    ردحذف
  2. استاذة رانية ان من يعرف علياء الانصاري يدرك جيدا ان الحياة بالالف واللام وليس ـ حياةـ هي صنعة المثابرين لو جاز لي مجازا وصفها فهي امرأة تلهم من حولها ولها تاثير كبير في مجتمعها .ثم ان وصفك ومقاربتك لمفردات واحداث الرواية مثير ودقيق الى حد كبير ..وفقك الله لكل خير

    ياس العرداوي
    yass@brob.org

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صباح الخير يا جنوب !

قصائد برتولد بريخت السياسية

ترنيمة الحب - علياء الأنصاري